من خلال "كراتين" مساعدات إنسانية، وجد الفنان التشكيلي، الغزّي، أحمد مهنا، ضالته لتوثيق معاناة النازحين الذين أجبروا على ترك منازلهم بفعل الحرب التدميرية على قطاع غزة المتواصلة منذ 7 أكتوبر 2023.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

يستخدم الريشة والألوان لتصوير معاناة الأهالي على مدار الساعة، ساعيًا من خلال فنه إلى تسليط الضوء على أوجاعهم في ظل الظروف اللاإنسانية التي تمر عليهم منذ 297 يومًا.

لم يجد الفنان سوى "كراتين المساعدات" المتوفرة، بديلاً عن ورق الرسم الذي نفد من القطاع منذ بداية الحرب، في ظل الحصار والقيود المشددة التي تفرضها دولة الاحتلال على إدخال المواد الأساسية والسلع والبضائع.

يوضّح مهنا في حديث لوكالة "الأناضول" أن سعيه لأجل "تحويل كراتين المساعدات إلى لوحات فنية" يندرج ضمن مساعيه لإيجاد "وسيلة لربط الأزمات الإنسانية التي يعانيها الأهالي بعمل إبداعي فني".

ويقول: "أوراق الرسم مفقودة، وتصل إلى قطاع غزة كراتين مساعدات إنسانية عبر مؤسسات دولية والأمم المتحدة، فقررت الاستفادة منها كوسيلة للتعبير عن المآسي التي تمر علينا منذ عشرة أشهر".

فلسفة فنية

وهو يمسك بريشته داخل مرسمه في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، يشرح الفنان أن الفكرة "وجدت استحسانًا كبيرًا وتفاعلاً طيبًا من المشاهدين لكيفية ربط مشاهد الحرب بكراتين مساعدات غذائية".

ويضيف: "ربط الرسومات الفنية بكراتين المساعدات يمثل نوعًا من الفلسفة الفنية، خاصة أن هذه الطرود الغذائية لا نراها إلا خلال الحروب، والرسومات التي تحملها اللوحات تعكس مشاهد المعاناة اليومية في ظل الحرب".

ومن المشاهد التي وثقها الفنان على طرود المساعدات الغذائية، "معاناة الأطفال أثناء تعبئة غالونات المياه، والأطفال المصابين، وآخرين بحاجة إلى إغاثة، ومشاهد الجوع والعطش والألم".

وبين التشكيلي الفلسطيني أن "الفكرة تكمن في أن السلة الغذائية التي نشاهدها في الحرب يمكن أن تحمل رسائل أمل ومعاناة في آن واحد".

إيصال رسائل

وتابع: "الرسائل التي أريد إيصالها إلى المجتمع المحلي والعالمي هي مدى معاناتنا واضطهادنا، وكم كانت لدينا أحلام قبل الحرب التي تلاشت وأصبحت سرابًا".

"عاطل عن الأمل"

تحمل لوحات الفنان مهنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي عناوين مثل "معركة من أجل البقاء" و"عاطل عن الأمل"، مستشهدًا بمقولة الشاعر الفلسطيني، مريد البرغوثي: "فإن الأمل ذاته موجع حينما لا يكون سواه".

ويأمل الفنان التشكيلي أن تنقل رسوماته رسالة قوية للعالم أجمع بأننا "لا نريد حربًا، نريد أن نعيش، نريد أن يعود الأطفال إلى المدارس، بعد أن فقدوا عامًا دراسيًا كاملاً".

ودعا مهنا جميع الفنانين إلى "نقل رسائل عن معاناة الفلسطينيين ويوميات الحرب والنزوح والدمار من خلال فنهم، فلكل فنان أسلوبه الخاص في التعبير عن المعاناة".

ويقول: "أرسم المشاهد اليومية باستخدام ألوان الفحم، وهذا يختلف عما كنت أرسمه سابقًا حول مواضيع تطوير الذات".

ورغم الظروف الصعبة، يظل الفنان التشكيلي مؤمنًا بالأمل ويقول: "لا يمكن أن نفقد الأمل، وسيظل موجودًا دائمًا"، لافتًا إلى أن "الفن يمكن أن يكون صوتًا للمعاناة والأمل في آن واحد".

مسيرته الفنية

وعن مسيرته الفنية؛ قال مهنا، خريج جامعة الأقصى في تخصص الفنون الجميلة: "بدايتي في الفنون كانت منذ أن كنت طفلًا صغيرًا، طورت موهبتي ذاتيًا حتى وصلت إلى الجامعة ودرست الفنون الجميلة".

كما وللفنان مشاركات في العديد من المعارض الدولية والمحلية، وكان له، أيضًا، معرض شخصي عام 2021 في قطاع غزة.

وقبل الحرب، عمل مهنا في مؤسسة "عبد المحسن القطان" في وظيفة "منشط فنون للأطفال" و"الفنون كوسيلة للعلاج النفسي".

ويوضّح: "ولكن مع اندلاع الحرب، تغيرت نظرتي للفن تمامًا، حيث أعطتني دافعًا كبيرًا للعمل؛ أصبحت أستمد تغذية بصرية من المشاهد اليومية للحرب.. نمط الرسم والتفكير اختلف كثيرًا، فقد أصبحنا نرسم المعاناة اليومية والألم الذي نعيشه".

اقرأ/ي أيضًا | الحرب على غزة: قصف وغارات وموجات نزوح في شتى أنحاء القطاع